هذه بعض من الأبيات والقصائد التي قيلت في عصر الدولة الأموية ومعظمها يدور حول هجاء الفرزدق و الأخطل لجرير و جرير للفرزدق وللأخطل وكان الأخطل نصرانيّاَ هجّاءاَ.... إليكم بعضاً منها:
· قال الأخطل مخاطباً عبد الملك بن مروان و مؤيداً الحجاج فيما ينتهجه من عنف صارم يؤدب المنافقين من أهل العراق:
فعليكَ بالحجاج لا تعدل به **** أحداً إذا نزلت عليك أمور
ولقد علمت وأنت أعلمنا به **** أن ابن يوسف حازم منصور
وترى الرواسمَ يختلِفنَ وفوقها **** ورق العراق سبائك وحرير
وبنات فارسَ كل يومٍ تُصطفى **** يعلونهن و مالهن مُهُور
· قال جرير يهجو الأخطل:
وَلَدَ الأخيطلَ أمّهُ مخمورةً **** قبحاً لذلك شارباً مخمورا
· كان الفرزدق بشع المنظر , فوجهه غليظ جهم القسمات منقّر من آثار الجدري ومن أجل ذلك لقب بالفرزدق وهو الرغيف الضخم وكان مع هذا غليظاً قصيراً أصلع يقول فيه جرير:
لقد ولدت أم الفرزدق فاجراً **** فجاءت بوزوارٍ قصير القوائم
· يقول الفرزدق يهجو جرير:
إذا أنت يا ابن الكلب ألقتك نهشل **** ولم تك في حلف فما أنت صانع (نهشل: قبيلة)
· يقول جرير يصف بني مجاشع بالسمن و الترهل:
تلقى ضِفنَّ مجاشعٍ ذا لحية **** وله إذا وضع الإزار حِران
من كل منتفخ الوريد كأنه ****** بغل تقاعس َ فوقه خُرجانُ
· خطب الأخطل امرأة تسمى أم رياح فلم ترض به ففضحها بقوله:
ولا خير في الفتيان بعد ابن عبدلٍ **** ولا في الزواني بعد أم رياح
فـ..... بحمد الله ماض مجرّب **** وأم رياح عرضة لنكاحي
فتحاماها الناس , فلم تزوّج حتى أسّنت.
· كان جرير يلقب بني نمير بالتيوس يقول فيهم:
فصبراً يا تيوس بني نمير **** فإن الحرب موقدة شهابا
· وكان يلقب الفررزدق بالقرد لقصره ودمامة وجهه , أو يسميه القرد الأصلع :
إن البليّــة لا بليّة مــثلها **** قرد يعلِّل نفسه بالباطل
· كما يقول أيضاً :
وما كان الفرزدق غيــر قردٍ **** أصابتهُ الريــاحُ فاستدارا
· يقول الأخطل في كعب و أخيه:
هجــاني المنـتـنان ابنــا جُعَِيلِ **** وأي الناس يقتله الهجاء
وُلدّتم بعد اخوتكم من....... ***** فهلا جئتم من حيث جاءوا
· يقول الفرزدق مخاطباً الأخطل:
قبّحَ الإله مِن الصليبُ إلههُ **** واللابسين برانس الرهبانِ
و التابعين جريساً و بُنيـه **** والتاركين مساجد الرحمن
تغشى ملائكةُ الإله قبورنا **** و التغلبيُّ جنازة الشيطان
يعطى كتاب حسابِه بشماله **** و كتابنا بأكـــفا الأيمـــان
شعر الهجاء
__________________
يا حبذا ذات غسل في ملاوتها *** ويا حبذا خطرات في ضواحيها
وجلسة بالنقى مع معشر نجب*** أشهى إلي من الدنيا وما فيها
الثلاثاء، 16 مارس 2010
اروع ما قيل من شعر الهجاء
سأضع بين يديكم مقطتفات جمعتها بعناية من أروع ما قرأت في شعر الهجاء...
----------------------
وجُفونهُ ما تستقرُّ كأنها ******* مطروفةٌ أو فُتَّ فيها حصرمُ
وإذا أشار محدثاً فكأنه ******** قردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطِم
وتراهُ أصغرَ ما تراهُ، ناطقاً ****** ويكون، أكذب ما يكونُ، ويُقِسمُ
(المتنبي)
\*||*\
وصاحِبٍ كَهُمُومِ النَّفْسِ مُعْتَرِضٍ * ما بَيْنَ تَرْقُوَةٍ مِنِّي وأَحشاءِ
إِنْ قَالَ خَيْراً فَعَنْ سَهْوٍ أَلَمَّ بِهِ * أَوْ قَالَ شَرًّا فَعَنْ قَصْدٍ وإِمْضَاءِ
لا يَفْعَلُ السُوءَ إِلاَّ بَعْدَ مَقدَرَةٍ * ولا يُكَفْكِفُ إِلاَّ بَعْدَ إِيذاءِ
عاشَرْتُهُ حِقْبَةً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةٍ * فَكَانَ أَقْتَلَ مِنْ داءٍ لِحَوْبَاءِ
يَبْغِي رِضايَ وقَدْ أَوْدَى بِرُمَّتِهِ * وكَيْفَ يَحْيَا صَرِيعٌ بَعْدَ إِيداءِ"
لا بَارَكَ اللَّهُ فيهِ حَيْثُ كَانَ ولاَ * جَزَاهُ عَنْ فِعْلِهِ إِلاَّ بأَسْواءِ
(محمود سامي البارودي )
\*||*\
أيا كاتبـــــــــــا طاب فيك الرجاء
وطابت مســـــاعيك والطاء خاء
كتبت الروايـــــــــــة والراء غين
وكان الثنـــــــــا منك والثاء خاء
بليغ كما قيل والغيـــــــــــــن دال
خبيــــــــــر نعم أنت والراء ثاء
جميـــــــــل بلا شك والجيم عيـن
كريم بفعلك والميـــــــــــــم هاء
كتبت ســـــــطورك واللام قاف
بفهم ســــــــــــليم بغير انتـــهاء
عظيم المبــــــــادئ والظــاء قاف
ســـــــــــليم العبارة والميم طاء
أميـــــــــــر الصحافة والحـاء لام
ســـــــــــفير الثقافة والراء هاء
يحل بمثلك عصــــــر الســـــــلام
فيحيا به الجيل والســــــين ظاء
وتسعى دؤوبا لنشــــــر الســـطور
بأرض الفضـــــــيلة والطاء فاء
تذاع الكرامــــــــــــــــة في محفل
حواك وصحــــــــبك والذال باء
وكم ترفع الرأس والراء كــــــاف
وتمسـي على الجمر والجيم خاء
إلى غاية لك والصاد شـــــــــــــين
تطيــــــــــل لصهواتك الامتطاء
فيا كاتبا ســــــــــار والتـــــاء ذال
ويا ناقدا طــــــــــار والنون حاء
مدحت الغواني والغيــــــــــن زاي
ورمت فضــــــائل واللام حاء
وشدت قصــــور الفضيلة عمــــرا
فصــــــارت بفضلك والصاد باء
وخط مدادك دون ريـــــــــــــــاء
جميــــع المقالات والراء حـــاء
كأن حروفك والصــــــــــــــاد ميم
تجـــــــلي لنا كيف صوت الحياء
فســــــــبقك للخيــر من غير قاف
وحربك للســــــــوء من غير راء
سبــــتـك الحضارة والضــاد قاف
بظــــــــــــل الستـارة والتاء فاء
فمارست مذ صــــرت تلعب دورا
فـــــــــــــنون الإدارة والدال ثاء
وجئت تطل بشتـــــــــى الوصـــايا
وأغنى التجــــــــارب والنون باء
ســـلكت رؤى الدرب والدال غيـن
وصنت عرى الدين والصاد خاء
فقف عند حــــدك إنا نثرنـــــــــــا
لكشــف الخبايا حروف( الهجاء)
(ظافر السيف)
\*||*\
تَنَحِّيْ فاجْلِسِي مِنَّا بعيداً * أراحَ اللّه مِنْكِ العالَمينا
أَغِرْبَالاً إذا استُودِعْتِ سِرّاً * و كانُوناً على المُتَحَدِّثِينا
أَلَمْ أُوضِحْ لكِ البغضاءَ مِنِّي * و لكنْ لا إخالُكِ تَعْقِلينا
حياتُكِ ما عَلِمْتُ حياةُ سُوْءٍ * و مَوْتُكِ قد يَسُرُّ الصَّالحينا
(الحطيئة )
\*||*\
ابيات عجيبة تُقرأ من اليمين مدحا ومن اليسار ذما
قصيدة شعرية عجيبة ، نظمها إسماعيل بن أبي بكر المقري ـ رحمه الله ـ والعجيب فيها أنك عندما تقرأها من اليمين إلى اليسار تكون مدحا ، وعندما تقرأها من اليسار إلى اليمين تكون ذما .
وإليكم بعضا من هذه القصيدة
من اليمين إلى اليسار ... في المدح
طلبوا الذي نالوا فما حُرمــــوا **** رُفعتْ فما حُطتْ لهـــم رُتبُ
وهَبوا ومـا تمّتْ لــهم خُلــــــقُ **** سلموا فما أودى بهـــم عطَبُ
جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا **** حُمدتْ لهم شيمُ فــمـــا كَسَبوا
من اليسار إلى اليمين ... في الذم
رُتب لهم حُطتْ فمــــا رُفعتْ **** حُرموا فما نالوا الـــــذي طلبُوا
عَطَب بهم أودى فمــــا سلموا **** خُلقٌ لهم تمّتْ ومـــــــــا وهبُوا
كَسَبوا فما شيمٌ لــــهم حُمــدتْ **** كَسَدوا فما نرضى الذي جَلبُوا
(إسماعيل بن أبي بكر المقري )
\*||*\
وهذه قصيده عباره عن مدح لنوفل بن دارم
اذا اكتفيت بقراءة الشطر الاول من كل بيت
فإن القصيده تصبح هجـــــاء
قصيدة المدح
إذا أتيت نوفل بن دارم **** امير مخزوم وسيف هاشم
وجــدته أظلم كل ظــالم **** على الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعـاجم **** بعـــرضه وســره المكـاتم
لا يستحي مـن لوم كل لائـم **** إذا قضى بالحق في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم **** في جانب الحق وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سن النادم **** إذا لم يكن من قدم بقادم
قصيدة الذم
إذا أتيت نوفل بن دارم **** وجدتــه أظلـم كل ظـــالم
وأبخل الأعراب والأعاجم **** لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعي جانب المكارم **** يقرع من يأتيه سن النادم
----------------------
وجُفونهُ ما تستقرُّ كأنها ******* مطروفةٌ أو فُتَّ فيها حصرمُ
وإذا أشار محدثاً فكأنه ******** قردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطِم
وتراهُ أصغرَ ما تراهُ، ناطقاً ****** ويكون، أكذب ما يكونُ، ويُقِسمُ
(المتنبي)
\*||*\
وصاحِبٍ كَهُمُومِ النَّفْسِ مُعْتَرِضٍ * ما بَيْنَ تَرْقُوَةٍ مِنِّي وأَحشاءِ
إِنْ قَالَ خَيْراً فَعَنْ سَهْوٍ أَلَمَّ بِهِ * أَوْ قَالَ شَرًّا فَعَنْ قَصْدٍ وإِمْضَاءِ
لا يَفْعَلُ السُوءَ إِلاَّ بَعْدَ مَقدَرَةٍ * ولا يُكَفْكِفُ إِلاَّ بَعْدَ إِيذاءِ
عاشَرْتُهُ حِقْبَةً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةٍ * فَكَانَ أَقْتَلَ مِنْ داءٍ لِحَوْبَاءِ
يَبْغِي رِضايَ وقَدْ أَوْدَى بِرُمَّتِهِ * وكَيْفَ يَحْيَا صَرِيعٌ بَعْدَ إِيداءِ"
لا بَارَكَ اللَّهُ فيهِ حَيْثُ كَانَ ولاَ * جَزَاهُ عَنْ فِعْلِهِ إِلاَّ بأَسْواءِ
(محمود سامي البارودي )
\*||*\
أيا كاتبـــــــــــا طاب فيك الرجاء
وطابت مســـــاعيك والطاء خاء
كتبت الروايـــــــــــة والراء غين
وكان الثنـــــــــا منك والثاء خاء
بليغ كما قيل والغيـــــــــــــن دال
خبيــــــــــر نعم أنت والراء ثاء
جميـــــــــل بلا شك والجيم عيـن
كريم بفعلك والميـــــــــــــم هاء
كتبت ســـــــطورك واللام قاف
بفهم ســــــــــــليم بغير انتـــهاء
عظيم المبــــــــادئ والظــاء قاف
ســـــــــــليم العبارة والميم طاء
أميـــــــــــر الصحافة والحـاء لام
ســـــــــــفير الثقافة والراء هاء
يحل بمثلك عصــــــر الســـــــلام
فيحيا به الجيل والســــــين ظاء
وتسعى دؤوبا لنشــــــر الســـطور
بأرض الفضـــــــيلة والطاء فاء
تذاع الكرامــــــــــــــــة في محفل
حواك وصحــــــــبك والذال باء
وكم ترفع الرأس والراء كــــــاف
وتمسـي على الجمر والجيم خاء
إلى غاية لك والصاد شـــــــــــــين
تطيــــــــــل لصهواتك الامتطاء
فيا كاتبا ســــــــــار والتـــــاء ذال
ويا ناقدا طــــــــــار والنون حاء
مدحت الغواني والغيــــــــــن زاي
ورمت فضــــــائل واللام حاء
وشدت قصــــور الفضيلة عمــــرا
فصــــــارت بفضلك والصاد باء
وخط مدادك دون ريـــــــــــــــاء
جميــــع المقالات والراء حـــاء
كأن حروفك والصــــــــــــــاد ميم
تجـــــــلي لنا كيف صوت الحياء
فســــــــبقك للخيــر من غير قاف
وحربك للســــــــوء من غير راء
سبــــتـك الحضارة والضــاد قاف
بظــــــــــــل الستـارة والتاء فاء
فمارست مذ صــــرت تلعب دورا
فـــــــــــــنون الإدارة والدال ثاء
وجئت تطل بشتـــــــــى الوصـــايا
وأغنى التجــــــــارب والنون باء
ســـلكت رؤى الدرب والدال غيـن
وصنت عرى الدين والصاد خاء
فقف عند حــــدك إنا نثرنـــــــــــا
لكشــف الخبايا حروف( الهجاء)
(ظافر السيف)
\*||*\
تَنَحِّيْ فاجْلِسِي مِنَّا بعيداً * أراحَ اللّه مِنْكِ العالَمينا
أَغِرْبَالاً إذا استُودِعْتِ سِرّاً * و كانُوناً على المُتَحَدِّثِينا
أَلَمْ أُوضِحْ لكِ البغضاءَ مِنِّي * و لكنْ لا إخالُكِ تَعْقِلينا
حياتُكِ ما عَلِمْتُ حياةُ سُوْءٍ * و مَوْتُكِ قد يَسُرُّ الصَّالحينا
(الحطيئة )
\*||*\
ابيات عجيبة تُقرأ من اليمين مدحا ومن اليسار ذما
قصيدة شعرية عجيبة ، نظمها إسماعيل بن أبي بكر المقري ـ رحمه الله ـ والعجيب فيها أنك عندما تقرأها من اليمين إلى اليسار تكون مدحا ، وعندما تقرأها من اليسار إلى اليمين تكون ذما .
وإليكم بعضا من هذه القصيدة
من اليمين إلى اليسار ... في المدح
طلبوا الذي نالوا فما حُرمــــوا **** رُفعتْ فما حُطتْ لهـــم رُتبُ
وهَبوا ومـا تمّتْ لــهم خُلــــــقُ **** سلموا فما أودى بهـــم عطَبُ
جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا **** حُمدتْ لهم شيمُ فــمـــا كَسَبوا
من اليسار إلى اليمين ... في الذم
رُتب لهم حُطتْ فمــــا رُفعتْ **** حُرموا فما نالوا الـــــذي طلبُوا
عَطَب بهم أودى فمــــا سلموا **** خُلقٌ لهم تمّتْ ومـــــــــا وهبُوا
كَسَبوا فما شيمٌ لــــهم حُمــدتْ **** كَسَدوا فما نرضى الذي جَلبُوا
(إسماعيل بن أبي بكر المقري )
\*||*\
وهذه قصيده عباره عن مدح لنوفل بن دارم
اذا اكتفيت بقراءة الشطر الاول من كل بيت
فإن القصيده تصبح هجـــــاء
قصيدة المدح
إذا أتيت نوفل بن دارم **** امير مخزوم وسيف هاشم
وجــدته أظلم كل ظــالم **** على الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعـاجم **** بعـــرضه وســره المكـاتم
لا يستحي مـن لوم كل لائـم **** إذا قضى بالحق في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم **** في جانب الحق وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سن النادم **** إذا لم يكن من قدم بقادم
قصيدة الذم
إذا أتيت نوفل بن دارم **** وجدتــه أظلـم كل ظـــالم
وأبخل الأعراب والأعاجم **** لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعي جانب المكارم **** يقرع من يأتيه سن النادم
من قصائد شعر الهجاء
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اليوم حبيت اكتبلكم بعض المقاطع من كتاب لآلئ الهجاء وأجمل الابيات وأشهرها
لعيون أعضاء احلام العرب
الهجاء هو وسيله من وسائل التعبير عن الكره أو الحقد أو التذمر أو النقد أو جميعها , يعبر بها فرداً
انتصاراً لنفسه أو قبيلته أو مجتمعه ,أو عاده من عاداته ,أو قيمه من قيمه ,ضد فرد أو
قبيله أو مجتمع ويطال أحياناً الحياه بمجملها أو الدهر والزمن بكليته عندما نتحدث عن الحظ
والسعاده وغيرها..
والهجاء يرتبط بالكره ,مقابل المدح والاطراء والاستحسان الذي يرتبط بالحب صادقاً كان
أم كاذباً...
ومن هنا سوف أذكر لكم بعض قصائد الهجاء الرائعه من كتاب لآلئ الشعر في الهجاء
أجمل الابيات وأشهرها
كان لبعض الشعراء المعتدلين آراؤهم في نبذ صيغه التجريح
, وأن ذلك مستكره , لان الكمال لله وحده , وكل انسان فيه
من العيوب والنواقص ما يجعله مرمى للإهانه والشتم والحط من قدره
يقول أحدهم
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ....فكلك عـورات وللنــاس ألســـن
وعينك إن ابدت إليـك معــــايباً....فصنها وقل يا عين للناس أعين
وقول آخر..
عليك بنفسك فتش عن معايبها....وخل عن عثرات الناس للناسِ
وآخر يقول
وجدتُ الفتى يرمي سواه بدائه...ويشكو اليك الظلم وهو ظلوم
وآخر
ومن يك ذا فمٍ مرً مريضٍ.....يجد مراً به الماء الزلالا
ولكن هيهات أن تلقى هذه النصائح آذاناً صاغيه.
وقد عرف الهجاء في الشعر العربي منذ الجاهليه وحتى ما بعد عصر النهضه
, حيث صدرت القوانين تحاكم على القدح والتشهير في ايامنا المعاصره
فانحسر هذا اللون ليقتصر على المواقف السياسيه والاجتماعيه العامه..
ومنذ الجاهليه برز بين الشعراء هجاؤون اشتهروا في ذلك
الزمن وحتى اليوم , وأولهم الشاعر الحطيئه الذي هجا أباه وأمه
وزوجته , ثم لم يجد من يهجوه فهجا نفسه قال:
أبت شفتاي اليـــوم إلا تكلماً....بشرٍ فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهاً شوَه الله خلقه....وقبح من وجه وقبح حامله
كذلك فعل الشاعر الشاعر العباسي أبا دلامه الذي هجا زوجته
أيضاً ,وهجا نفسه حين طلب منه الخليفه المهدي هجو أحد ممن
كانوا في مجلسه أو قطع لسانه ,فأجال أبا دلامه نظره في الحضور,
وكان لكما نظر الى أحدهم استرضاه بغمزه أو بعضه على الشفه
مما زاد في حيرته فلم يجد الا أن يهجو نفسه قال:
ألا أبلغ لديك أبا دلامـــه...فلست من الكرام ولا الكرامه
جمعت دمامهً وجمعت لؤما....كذااك اللؤم تتبعه الدمامه
إذا لبس العمامه قلت قردا.. و خنزيراً إذا نزع العمامه
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا.... فلا تفرح فقد دنت القيامه
فضحك الحاضرون فأجازه
ويقول أحمد بن محمد يعقوب الملقب مسكويه هاجياً أحدهم
أيا ذا الفضل و اللام حاءُ... ويا ذا المكارم والميم هاءُ
ويا أنجب الناس والباء سينٌ...ويا ذا الصيانه والصاد خاءُ
ويا أكتب الناس والتاء ذالٌ...ويا أعلم الناس والعين ظاءُ
تجود على الكل والدال راء...فانت السخي ويتلوه فاء
لقد صرت عيباً لداءِ البغاء...ومن قبل كان يعاب البغاء
هذه الابيات عليكم بتغير الاحرف ليكتمل المعنى
وللشافعي موقف من الهجاء يلخصه بهذين البيتين
يخاطبني السفيه بكل قبح...فأكره أن اكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلماً...كعودٍ زاده الاحراق طيبا
وأيضا
إذا نطق السفيه فلا تجبه...فخيرٌ من إجابته السكوتُ
فإن كلمتهُ فرجت عنه... وإن خليتهُ كمداً يموتاُ
ومن أهاجي ابو نواس المشهوره هجاؤه للعرب وقبائلهم
وسخريته وهزؤه بهم وبأسلوب حياتهم وتقاليدهم فهو يقول
عاج الشقي على رسـم يسائله....وعجت أسال عن خمارة البلد
يبكي على طلل الماضين من أسد... لا در درك قل لي من بنو أسد
ومـن تميم ومن قيس ولفهما...ليس الأعاريب عند الله من أحد
لا جف دمع الذي يبكي على حجر...ولا صفا قلب من يصبو الى وتد
كم بين ناعت خمرٍ في دساكرها...وبين باك على نؤى ومنتضدِ
والسموحه منكم هذا اللي قدرت اكتبه لكم
اليوم حبيت اكتبلكم بعض المقاطع من كتاب لآلئ الهجاء وأجمل الابيات وأشهرها
لعيون أعضاء احلام العرب
الهجاء هو وسيله من وسائل التعبير عن الكره أو الحقد أو التذمر أو النقد أو جميعها , يعبر بها فرداً
انتصاراً لنفسه أو قبيلته أو مجتمعه ,أو عاده من عاداته ,أو قيمه من قيمه ,ضد فرد أو
قبيله أو مجتمع ويطال أحياناً الحياه بمجملها أو الدهر والزمن بكليته عندما نتحدث عن الحظ
والسعاده وغيرها..
والهجاء يرتبط بالكره ,مقابل المدح والاطراء والاستحسان الذي يرتبط بالحب صادقاً كان
أم كاذباً...
ومن هنا سوف أذكر لكم بعض قصائد الهجاء الرائعه من كتاب لآلئ الشعر في الهجاء
أجمل الابيات وأشهرها
كان لبعض الشعراء المعتدلين آراؤهم في نبذ صيغه التجريح
, وأن ذلك مستكره , لان الكمال لله وحده , وكل انسان فيه
من العيوب والنواقص ما يجعله مرمى للإهانه والشتم والحط من قدره
يقول أحدهم
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ....فكلك عـورات وللنــاس ألســـن
وعينك إن ابدت إليـك معــــايباً....فصنها وقل يا عين للناس أعين
وقول آخر..
عليك بنفسك فتش عن معايبها....وخل عن عثرات الناس للناسِ
وآخر يقول
وجدتُ الفتى يرمي سواه بدائه...ويشكو اليك الظلم وهو ظلوم
وآخر
ومن يك ذا فمٍ مرً مريضٍ.....يجد مراً به الماء الزلالا
ولكن هيهات أن تلقى هذه النصائح آذاناً صاغيه.
وقد عرف الهجاء في الشعر العربي منذ الجاهليه وحتى ما بعد عصر النهضه
, حيث صدرت القوانين تحاكم على القدح والتشهير في ايامنا المعاصره
فانحسر هذا اللون ليقتصر على المواقف السياسيه والاجتماعيه العامه..
ومنذ الجاهليه برز بين الشعراء هجاؤون اشتهروا في ذلك
الزمن وحتى اليوم , وأولهم الشاعر الحطيئه الذي هجا أباه وأمه
وزوجته , ثم لم يجد من يهجوه فهجا نفسه قال:
أبت شفتاي اليـــوم إلا تكلماً....بشرٍ فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهاً شوَه الله خلقه....وقبح من وجه وقبح حامله
كذلك فعل الشاعر الشاعر العباسي أبا دلامه الذي هجا زوجته
أيضاً ,وهجا نفسه حين طلب منه الخليفه المهدي هجو أحد ممن
كانوا في مجلسه أو قطع لسانه ,فأجال أبا دلامه نظره في الحضور,
وكان لكما نظر الى أحدهم استرضاه بغمزه أو بعضه على الشفه
مما زاد في حيرته فلم يجد الا أن يهجو نفسه قال:
ألا أبلغ لديك أبا دلامـــه...فلست من الكرام ولا الكرامه
جمعت دمامهً وجمعت لؤما....كذااك اللؤم تتبعه الدمامه
إذا لبس العمامه قلت قردا.. و خنزيراً إذا نزع العمامه
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا.... فلا تفرح فقد دنت القيامه
فضحك الحاضرون فأجازه
ويقول أحمد بن محمد يعقوب الملقب مسكويه هاجياً أحدهم
أيا ذا الفضل و اللام حاءُ... ويا ذا المكارم والميم هاءُ
ويا أنجب الناس والباء سينٌ...ويا ذا الصيانه والصاد خاءُ
ويا أكتب الناس والتاء ذالٌ...ويا أعلم الناس والعين ظاءُ
تجود على الكل والدال راء...فانت السخي ويتلوه فاء
لقد صرت عيباً لداءِ البغاء...ومن قبل كان يعاب البغاء
هذه الابيات عليكم بتغير الاحرف ليكتمل المعنى
وللشافعي موقف من الهجاء يلخصه بهذين البيتين
يخاطبني السفيه بكل قبح...فأكره أن اكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلماً...كعودٍ زاده الاحراق طيبا
وأيضا
إذا نطق السفيه فلا تجبه...فخيرٌ من إجابته السكوتُ
فإن كلمتهُ فرجت عنه... وإن خليتهُ كمداً يموتاُ
ومن أهاجي ابو نواس المشهوره هجاؤه للعرب وقبائلهم
وسخريته وهزؤه بهم وبأسلوب حياتهم وتقاليدهم فهو يقول
عاج الشقي على رسـم يسائله....وعجت أسال عن خمارة البلد
يبكي على طلل الماضين من أسد... لا در درك قل لي من بنو أسد
ومـن تميم ومن قيس ولفهما...ليس الأعاريب عند الله من أحد
لا جف دمع الذي يبكي على حجر...ولا صفا قلب من يصبو الى وتد
كم بين ناعت خمرٍ في دساكرها...وبين باك على نؤى ومنتضدِ
والسموحه منكم هذا اللي قدرت اكتبه لكم
الفن الرابع في شعر الهجاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
الفن الرابع وهو فن الهجاء وهو فن الإبتسامة والضحك كما يقول جرير في وصيته: (( إذا هجوت فأضحك )).
(1) الهجــــــاء:
وهو ضد المدح، وكلما كثرت أضداد المديح في الشعر كان أهجى؛ وعندما أتحدث عن الهجاء كفن فلا أقصد به ذلك السباب والشتم الذي لا يتعدى أن يكون ركيكاً منحطاً بل أقصد به " هجاء الأشراف " وذلك بسلب فضائلهم دون الغوص في أمور الله المستعان بها.
أ- في العصر الجاهلي:
تولّد الهجاء في الشعر نظراً لطبيعة البشر فهناك الصالح والطالح منهم والإنسان مبني على الفطرة وهو أن ينظر للناس أول الأمر على أنهم مكتملوا الأخلاق من كرم وشجاعة وفصاحة وغيرها حتى إذا ما تعرف على الرجل أو القوم وصدم بالضد من ذلك سنَّ سلاح اللسان إما ناصحاً أو هاجياً من أجل النصيحة أو هاجياً ليشفي غليله منهم خاصة عند توفر مواقف لهم عنده؛ وإذا نظرنا لمن عاش متاحترمباً على المديح فإننا نجده غالباً يهجو من لا يجد منه أعطيه، ولعل هذا يذكرنا بأشهر الهجائين في هذا العصر وهو طرفة بن العبد الذي قُتل بسبب هجائه الملك عمرو بن هند بحجة أنه لم يجد منه الخير والمال كما كان ينتظر. وغير طرفة كثير أبرزهم الأعشى الذي يكرمه الناس خوفاً من هجائه ولم يكن زهير بن أبي سلمى بأقل شأناً من الأعشى في هذا الفن وإن كنت أرجح زهير على الأعشى في فن الهجاء لأن هجاء الأعشى صريحاً قبيحاً أما هجاء زهير بليغ خطير.
ب- في العصر الإسلامي والأموي:
برز في هذا العصر الهجاء بصورة غير معهودة وأصبح طاغياً على المديح بصورة كبيرة خاصة في العصر الأموي، فإذا بحثنا في العصر الإسلامي وجدنا الحطيئة وهو الذي إذا لم يجد أحداً أخذ بهجاء أمه وأبيه وأقربائه بل وحتى نفسه ولو نظرنا لأحد أهاجيه لوجدنا مدى تفصيله للخصلة التي يذمها وكأنه قد سَعِدَ بإكتشافها وهذا يبيّن مدى وحدته في هذا المجال أيام عصره.
أما العهد الأموي فقد برز الثلاثي الخطير (( جرير والفرزدق والأخطل )) دون غيرهم رغم أن العديد من الشعراء قد اتخذ هذا الفن فنه الأوحد؛ ولعل ظهور الخلافة الأموية هو ما شجعهم على ذلك فهم يشغلون الناس عن ما يدور حولهم ويزيدون في النعرات القبلية لزيادة تمسكهم بالحكم وهو ما تم وهذا ما يفسِّر إغراق مجالس الخلفاء الأمويين بتلك القصائد الهجائية المدوية.
ج- في العصر العباسي وما تلاه:
برز هجائين كثر هنا وقد سلكوا مسالك غريبة في الهجاء وطريقة إلقائه. فبشار بن برد كان إذا غضب وأراد أن يقول هجاءاً صفّق بيديه وبصق عن يمينه وعن شماله. كذلك لا ننسى هنا دعبل الخزاعي والذي يلقّب بـ"هجّاء الملوك" فكلما تولى خليفة الحكم أرسل له عوضاً عن التهنئة هجاءاً بدءاً بالأمين ومن ثم المأمون وهو يقول عن نفسه: (( أحمل خشبة منذ كذا سنة لا أجد من يصلبني عليها )) حتى بدأ بهجاء المعتصم فصلبه المعتصم على خشبته. كذلك ابن الرومي قتله الهجاء وقد أجاد فيه. وابن بسام كان يهجو أهله وأقاربه كالحطيئة، وابن الحجاج والذي يلقب " بخبيث العراق ". وفي القرن السادس ظهر أبو القاسم الشميشي الأندلسي ولم يكتفي بهجاء الناس بل جمع هجاءه في ديوان سماه (( شفاء الأمراض في أخذ الأعراض ))، وفي القرن السابع كان علي بن حزمون هجَّاء المغرب وعاصره ابن عينين هجّاء مصر وله ديوانه (( مقراض الأعراض )).
أما في عصرنا الحديث فقد ندر الهجاء بشكل كبير عدا بعض المحاولات التي كانت بين شوقي وحافظ. وربما كانت بعض ألوان الشعر السياسي والإجتماعي التي تهاجم الأوضاع السياسية والإجتماعية قد حلت محل شعر الهجاء بمفهومه القديم.
(2) مقياس الهجاء:
يختلف قياس الهجاء بحسب الهاجي والمهجو ومدى ما كان بينهما. وفي ذلك عدة أنواع:
أ- الهجاء المقذع: وهو ذكر فضائل وسلب أخرى، وهذا له وقعه النفسي على المهجو أشد من غيره كقول الشاعر:
وكـاثــــر بـسـعـدٍ إن سـعـداً كـثـيـرةٌ ــــــــــ ولا تبغ ِ من سعدٍ وفاءً ولا نصرا
يروعك من سعد بن عمرٍو جسومها ــــــــــ وتـرهـد فـيـهـا حـيـن تقتلها خبرا
فقد مدح الشاعر هنا قبيلة سعد بن عمرو بفضيلتين عاديتين هما كثرة العدد وعظم الأجسام، ثم عاد وسلب منهم الفضائل الأجمل والأفخر وهي عدم الوفاء وعدم النصرة ومن ثم أن ليس لهم من الأجسام إلا صوراً وعندما تقاتلهم على أنهم رجال شجعان تجد عاحترم ذلك بل وتلوم نفسك على أنك قتلت أمثالهم.
ب- خير الهجاء: هو ما تنشده المرأة العذراء ولا يقبُح بمثلها قوله. كقول جرير:
لو أن تغلب جمَّعت أحسابها ــــــــــ يوم التفاخر لم تـَزن مِثقالا
ج- أشد الهجاء: ما كان بالتفضيل؛ لما فيه من إشعار للمهجو بأنه أقل من قوم معينين. وهذا يشعر المهجو بقمة الإنحطاط والسخرية ويوقع في النفس الأذى. كقول جرير أيضاً:
فغضَّ الطرف إنك من نمير ٍ ـــــــــ فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
يقول أبو عبيدة في شدة تأثير هذا البيت: (( صار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني عامر !! ))
كذلك قول الشاعر:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ــــــــــ يزيد سُليم والأغرُّ بن سالم
فَهَمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله ــــــــــ وهَمُّ الفتى القيسي جمع الدراهم
فالأول كريم والآخر بخيل.
د- أعف الهجاء: ما كان أصدقه. وهو من أقوى أساليب الهجاء أيضاً؛ لأن الشاعر عندما يذيع ما رآه من نقص في المهجو للناس فإنه يخيَّل للمهجو أن جميع الناس يصدقون الشاعر فيما قاله وفيما سيقوله عنه وهذا أشد إيلاماً له.
هـ- أبلغ الهجاء: هو ما جمع بين التصريح والتلويح وما قربت معانيه وسهل حفظه. كقول زهير في هجاء " آل حصن ":
وما أدري وسوف أخال أدري ــــــــــ أقوم آل حِصن ٍ أم نساءُ
وقول جرير في قبيلة " تيم ":
فإنك لو رأيت عبيدَ تيم ٍ ــــــــــ وتمياً، قلتَ: أيهم العبيد؟!
وقول شوقي في هجاء حافظ إبراهيم:
ولقد أودعت إنساناً وكلباً وديعة ــــــــــ فضيَّعها الإنسان والكلب " حافظ ُ"
و- جميل الهجاء: هو ما أصاب الغرض المقصود به مع الإيجاز. كقوله:
لو اطلع الغرابُ على تميم ــــــــــ وما فيها من السوءاتِ شابا
ومن جميل الهجاء طريقة الإجمال أيضاً. كقول الشاعر:
وإذا تسرُّك من تميم ٍ خصلةٌ ـــــــــــ فما يسوءك من تميم ٍ أكثرُ
ز- سكين الهجاء: هو ما كان احتقاراً واستصغاراً صرفاً كقول جرير في تيم أيضاً:
ويُقضى الأمرُ حين تغيب تيمٌ ــــــــــ ولا يُستأذنون وهم شهودُ
الفن الرابع وهو فن الهجاء وهو فن الإبتسامة والضحك كما يقول جرير في وصيته: (( إذا هجوت فأضحك )).
(1) الهجــــــاء:
وهو ضد المدح، وكلما كثرت أضداد المديح في الشعر كان أهجى؛ وعندما أتحدث عن الهجاء كفن فلا أقصد به ذلك السباب والشتم الذي لا يتعدى أن يكون ركيكاً منحطاً بل أقصد به " هجاء الأشراف " وذلك بسلب فضائلهم دون الغوص في أمور الله المستعان بها.
أ- في العصر الجاهلي:
تولّد الهجاء في الشعر نظراً لطبيعة البشر فهناك الصالح والطالح منهم والإنسان مبني على الفطرة وهو أن ينظر للناس أول الأمر على أنهم مكتملوا الأخلاق من كرم وشجاعة وفصاحة وغيرها حتى إذا ما تعرف على الرجل أو القوم وصدم بالضد من ذلك سنَّ سلاح اللسان إما ناصحاً أو هاجياً من أجل النصيحة أو هاجياً ليشفي غليله منهم خاصة عند توفر مواقف لهم عنده؛ وإذا نظرنا لمن عاش متاحترمباً على المديح فإننا نجده غالباً يهجو من لا يجد منه أعطيه، ولعل هذا يذكرنا بأشهر الهجائين في هذا العصر وهو طرفة بن العبد الذي قُتل بسبب هجائه الملك عمرو بن هند بحجة أنه لم يجد منه الخير والمال كما كان ينتظر. وغير طرفة كثير أبرزهم الأعشى الذي يكرمه الناس خوفاً من هجائه ولم يكن زهير بن أبي سلمى بأقل شأناً من الأعشى في هذا الفن وإن كنت أرجح زهير على الأعشى في فن الهجاء لأن هجاء الأعشى صريحاً قبيحاً أما هجاء زهير بليغ خطير.
ب- في العصر الإسلامي والأموي:
برز في هذا العصر الهجاء بصورة غير معهودة وأصبح طاغياً على المديح بصورة كبيرة خاصة في العصر الأموي، فإذا بحثنا في العصر الإسلامي وجدنا الحطيئة وهو الذي إذا لم يجد أحداً أخذ بهجاء أمه وأبيه وأقربائه بل وحتى نفسه ولو نظرنا لأحد أهاجيه لوجدنا مدى تفصيله للخصلة التي يذمها وكأنه قد سَعِدَ بإكتشافها وهذا يبيّن مدى وحدته في هذا المجال أيام عصره.
أما العهد الأموي فقد برز الثلاثي الخطير (( جرير والفرزدق والأخطل )) دون غيرهم رغم أن العديد من الشعراء قد اتخذ هذا الفن فنه الأوحد؛ ولعل ظهور الخلافة الأموية هو ما شجعهم على ذلك فهم يشغلون الناس عن ما يدور حولهم ويزيدون في النعرات القبلية لزيادة تمسكهم بالحكم وهو ما تم وهذا ما يفسِّر إغراق مجالس الخلفاء الأمويين بتلك القصائد الهجائية المدوية.
ج- في العصر العباسي وما تلاه:
برز هجائين كثر هنا وقد سلكوا مسالك غريبة في الهجاء وطريقة إلقائه. فبشار بن برد كان إذا غضب وأراد أن يقول هجاءاً صفّق بيديه وبصق عن يمينه وعن شماله. كذلك لا ننسى هنا دعبل الخزاعي والذي يلقّب بـ"هجّاء الملوك" فكلما تولى خليفة الحكم أرسل له عوضاً عن التهنئة هجاءاً بدءاً بالأمين ومن ثم المأمون وهو يقول عن نفسه: (( أحمل خشبة منذ كذا سنة لا أجد من يصلبني عليها )) حتى بدأ بهجاء المعتصم فصلبه المعتصم على خشبته. كذلك ابن الرومي قتله الهجاء وقد أجاد فيه. وابن بسام كان يهجو أهله وأقاربه كالحطيئة، وابن الحجاج والذي يلقب " بخبيث العراق ". وفي القرن السادس ظهر أبو القاسم الشميشي الأندلسي ولم يكتفي بهجاء الناس بل جمع هجاءه في ديوان سماه (( شفاء الأمراض في أخذ الأعراض ))، وفي القرن السابع كان علي بن حزمون هجَّاء المغرب وعاصره ابن عينين هجّاء مصر وله ديوانه (( مقراض الأعراض )).
أما في عصرنا الحديث فقد ندر الهجاء بشكل كبير عدا بعض المحاولات التي كانت بين شوقي وحافظ. وربما كانت بعض ألوان الشعر السياسي والإجتماعي التي تهاجم الأوضاع السياسية والإجتماعية قد حلت محل شعر الهجاء بمفهومه القديم.
(2) مقياس الهجاء:
يختلف قياس الهجاء بحسب الهاجي والمهجو ومدى ما كان بينهما. وفي ذلك عدة أنواع:
أ- الهجاء المقذع: وهو ذكر فضائل وسلب أخرى، وهذا له وقعه النفسي على المهجو أشد من غيره كقول الشاعر:
وكـاثــــر بـسـعـدٍ إن سـعـداً كـثـيـرةٌ ــــــــــ ولا تبغ ِ من سعدٍ وفاءً ولا نصرا
يروعك من سعد بن عمرٍو جسومها ــــــــــ وتـرهـد فـيـهـا حـيـن تقتلها خبرا
فقد مدح الشاعر هنا قبيلة سعد بن عمرو بفضيلتين عاديتين هما كثرة العدد وعظم الأجسام، ثم عاد وسلب منهم الفضائل الأجمل والأفخر وهي عدم الوفاء وعدم النصرة ومن ثم أن ليس لهم من الأجسام إلا صوراً وعندما تقاتلهم على أنهم رجال شجعان تجد عاحترم ذلك بل وتلوم نفسك على أنك قتلت أمثالهم.
ب- خير الهجاء: هو ما تنشده المرأة العذراء ولا يقبُح بمثلها قوله. كقول جرير:
لو أن تغلب جمَّعت أحسابها ــــــــــ يوم التفاخر لم تـَزن مِثقالا
ج- أشد الهجاء: ما كان بالتفضيل؛ لما فيه من إشعار للمهجو بأنه أقل من قوم معينين. وهذا يشعر المهجو بقمة الإنحطاط والسخرية ويوقع في النفس الأذى. كقول جرير أيضاً:
فغضَّ الطرف إنك من نمير ٍ ـــــــــ فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
يقول أبو عبيدة في شدة تأثير هذا البيت: (( صار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني عامر !! ))
كذلك قول الشاعر:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ــــــــــ يزيد سُليم والأغرُّ بن سالم
فَهَمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله ــــــــــ وهَمُّ الفتى القيسي جمع الدراهم
فالأول كريم والآخر بخيل.
د- أعف الهجاء: ما كان أصدقه. وهو من أقوى أساليب الهجاء أيضاً؛ لأن الشاعر عندما يذيع ما رآه من نقص في المهجو للناس فإنه يخيَّل للمهجو أن جميع الناس يصدقون الشاعر فيما قاله وفيما سيقوله عنه وهذا أشد إيلاماً له.
هـ- أبلغ الهجاء: هو ما جمع بين التصريح والتلويح وما قربت معانيه وسهل حفظه. كقول زهير في هجاء " آل حصن ":
وما أدري وسوف أخال أدري ــــــــــ أقوم آل حِصن ٍ أم نساءُ
وقول جرير في قبيلة " تيم ":
فإنك لو رأيت عبيدَ تيم ٍ ــــــــــ وتمياً، قلتَ: أيهم العبيد؟!
وقول شوقي في هجاء حافظ إبراهيم:
ولقد أودعت إنساناً وكلباً وديعة ــــــــــ فضيَّعها الإنسان والكلب " حافظ ُ"
و- جميل الهجاء: هو ما أصاب الغرض المقصود به مع الإيجاز. كقوله:
لو اطلع الغرابُ على تميم ــــــــــ وما فيها من السوءاتِ شابا
ومن جميل الهجاء طريقة الإجمال أيضاً. كقول الشاعر:
وإذا تسرُّك من تميم ٍ خصلةٌ ـــــــــــ فما يسوءك من تميم ٍ أكثرُ
ز- سكين الهجاء: هو ما كان احتقاراً واستصغاراً صرفاً كقول جرير في تيم أيضاً:
ويُقضى الأمرُ حين تغيب تيمٌ ــــــــــ ولا يُستأذنون وهم شهودُ
الخميس، 4 مارس 2010
وقال حسان بن ثابت أيضا ، يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال حسان بن ثابت أيضا ، يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما بال عينك لا تنام كأنما
كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا
يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني
غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته
في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا
متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم
يا ليتني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا
في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا
محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها
ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها
من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تثنني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسودد
والله أسمع ما بقيت بهالك
إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا
سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره
وفضول نعمته بنا لم نجحد
والله أكرمنا به وهدى به
أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الآله ومن يحف بعرشه
والطيبون على المبارك أحمد
ما بال عينك لا تنام كأنما
كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا
يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني
غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته
في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا
متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم
يا ليتني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا
في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا
محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها
ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها
من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تثنني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسودد
والله أسمع ما بقيت بهالك
إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا
سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره
وفضول نعمته بنا لم نجحد
والله أكرمنا به وهدى به
أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الآله ومن يحف بعرشه
والطيبون على المبارك أحمد
شعر حسان بن ثابت في مرثيته الرسول
شعر حسان بن ثابت في مرثيته الرسول
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري
بطيبة رسم للرسول ومعهد
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم
وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها
أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده
وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى
لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد
فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره
ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
على طلل الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا
عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين
عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم
وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله
فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله بينهم
دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه
إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا
إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا
يبكيه حق المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها
فقيد يبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده
خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت
ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي
على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة
بعد ذمة وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد
إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى
وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا
دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا
وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه
على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه
فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب
من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه
لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره
وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
--------------------------------------------------------------------------------
وذكر ابن إسحاق مراثي حسان في النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيها ما يشكل فنشرحه وقد رثاه كثير من الشعراء وغيرهم وأكثرهم أفحمهم المصاب عن القول وأعجزتهم الصفة عن التأبين ولن يبلغ بالإطناب في مدح ولا رثاء في كنه محاسنه عليه السلام ولا قدر مصيبة فقده على أهل الإسلام فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تتصل مدى الليالي والأيام وأحله أعلى مراتب الرحمة والرضوان والإكرام وجزاه عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ولا خالف بنا عن ملته ، إنه ولي الطول والفضل والإنعام وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين .
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري
بطيبة رسم للرسول ومعهد
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم
وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها
أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده
وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى
لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد
فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره
ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
على طلل الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا
عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين
عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم
وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله
فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله بينهم
دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه
إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا
إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا
يبكيه حق المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها
فقيد يبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده
خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت
ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي
على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة
بعد ذمة وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد
إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى
وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا
دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا
وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه
على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه
فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب
من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه
لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره
وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
--------------------------------------------------------------------------------
وذكر ابن إسحاق مراثي حسان في النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيها ما يشكل فنشرحه وقد رثاه كثير من الشعراء وغيرهم وأكثرهم أفحمهم المصاب عن القول وأعجزتهم الصفة عن التأبين ولن يبلغ بالإطناب في مدح ولا رثاء في كنه محاسنه عليه السلام ولا قدر مصيبة فقده على أهل الإسلام فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تتصل مدى الليالي والأيام وأحله أعلى مراتب الرحمة والرضوان والإكرام وجزاه عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ولا خالف بنا عن ملته ، إنه ولي الطول والفضل والإنعام وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين .
حسان بن ثابت.. شاعر الرسول
حسان بن ثابت.. شاعر الرسول
--------------------------------------------------------------------------------
في تاريخ الشعر العربي عدد من الشعراء الفحول لا تنحسر عنهم دائرة الضوء، فأسماؤهم دائما بارزة في قوائم المبدعين ووجودهم ساطع متألق لا يخبو وميضه مع حركة الزمن، ولا تنقصف أعواده من مهب الريح والأعاصير.
ويبرز من بين هذا الوجود الشامخ، والحضور المتوهج حسان بن ثابت الأنصاري، لا باعتباره طاقة شعرية هائلة فحسب، بل باعتبار انه شاعر استطاع في مرحلة من مراحل حياته أن يوظف هذه الطاقة لتؤدي دورا هو
بلا شك أجل وأعظم دور قام به شاعر في تاريخ الشعر العربي كله.
وهل هناك ما هو أشرف وأعظم من الدفاع عن الإسلام، والوقوف إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام في مواجهة الشرك والوثنية، وتأييد الدعوة التي جاء بها رسول الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، والإشادة بما تنطوي عليه من قيم إنسانية عليا، والتغني بانتصارات المسلمين على طريق نشر الدعوة الإسلامية ورثاء شهدائهم الأبرار، وهل يمكن أن يعمل إنسان شاعرا كان أو غير شاعر لغاية أشرف من هذه الغاية؟
حسان بن ثابت من أهل المدينة ينحدر من بيت شريف من بيوت الخزرج، وينتمي إلى بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أبوه فهو ثابت بن المنذر الخزرجي من سادة قومه، ومن أشرفهم، وأما أمه فهي الفزيعة بنت خنيس بن لوزان بن عبدون وهي أيضا خزرجية.
وحسان بن ثابت أحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، ولد بالمدينة، ونشأ في الجاهلية، وعاش على الشعر، فكان يمدح المناذرة والغساسنة، وبالغ في مدح آل جفنة من ملوك غسان فأغدقوا عليه العطايا، وملأوا يديه بالنعم، ولم ينكروه بعد إسلامه فجاءته رسلهم بالهدايا من القسطنطينية، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم حسان مع الأنصار، وانقطع إلى مدحه والذود عنه، وأصبح الشاعر المنافح عن دين الإسلام، فاشتهر بذلك ذكره، وارتفع قدره، وعاش ما عاش موفور الكرامة مكفي الحاجة من بيت المال حتى توفي سنة 54 للهجرة بالغا من العمر مائة وعشرين سنة، وقد كف بصره في آخر أيامه.
صورتان فنيتان
يقول الأديب الدكتور محمد مصطفى سلام: لقد كان حسان يتغنى بالشعر، وربة الشعر تطاوعه في جاهليته وإسلامه حتى ملأ به القلوب والأسماع، وأجمعت العرب على انه اشعر أهل المدر، وشعره كشعر غيره من المخضرمين يجمع بين صورتين فنيتين صادقتين للشعر، إحداهما جاهلية، والأخرى إسلامية تعد مظهرا قويا لتأثر الأدب الإسلامي بالقرآن والحديث وأحداث الإسلام وعقائده.
لقد دعا حسان إلى التغني بالشعر، وأجود الشعر عنده ما جادت به القريحة مطابقا للواقع وسلامة المنطق، وشاعريته محلقة تستلهم السماء فتوحي إليه بالعذب المعجز، وهو أمير نفسه في شعره، فلم يلتزم مذاهب غيره من شعراء عصره كزهير والنابغة والأعشى والحطيئة وغيرهم، ولم يعمد إلى التكلف في شعره، ولم يحفل بتنقيحه بل كان يرسله كما أوصت به القريحة وحدثت به النفس ودعت إليه الحال وكثيرا ما اضطرته بعض المواقف الإسلامية إلى الارتجال، فلا غرابة أن تتنوع أساليبه ومعانيه وتتباين ألفاظه ومبانيه، وأن تجتمع في قصائده الفخامة واللين والغريب والمألوف.
حول موهبة حسان وشاعريته يقول الشاعر الإسلامي صلاح الدين السباعي: لقد عاش حسان في الجاهلية شاعرا قبليا يصوغ شعره في روية وأناة ويراجعه ويجوده قبل أن يخرج به على الناس، مما وفر لقصائده مستوى فنيا عاليا، وعندما دخل حسان الإسلام اكتشف أن دوره في تأييده ومؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه في مواجهة المشركين، يفرض عليه جانبا تسجيليا وتاريخيا للمواقف والأحداث التي شهدتها الدعوة الإسلامية، ولم يكن حسان يمتلك أداة للتسجيل والتأريخ افضل من الأداة التي تمرس على استخدامها طويلا قبل الإسلام، وهي هذه الأوزان العروضية التي كان في الجاهلية يعبر من خلالها عن أفكاره ومشاعره.
وهكذا اتخذ حسان من هذه الأوزان وسيلة لتسجيل تلك المواقف والأحداث شأن أي مؤرخ حريص على تدوين حقائق التاريخ، ومن هنا جاء إنتاجه بالنسبة لهذا الجانب التسجيلي خاليا تماما من نبض الشعر ودقته وحرارته، بمعنى انه عندما كانت الأحداث تتوالى فإن كل اهتمامه كان ينصرف إلى الحرص على تسجيلها فقط، وبالتالي فإنه يتحول من حين إلى آخر إلى ناظم وفقا لحركة الأحداث. وعندئذ تغطي عنده الحقيقة التاريخية على الحقيقة الشعرية وبحيث تتوارى، وذلك على نحو ما نرى في رده على أبي سفيان بن حرب وفخره على حسان بمقتل عدد من المسلمين من بينهم حمزة عم الرسول في واقعة أحد:
ذكرت القروم الصيد من آل هاشم
ولست لزور قلته بمصيب
أتعجب أن أقصدت حمزة منهم
نجيبا وقد سميته بنجيب
ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه
وشيبة والحجاج وابن حبيب
غداة دعا العاص عليا فراعه
بضربه عضب بله بخضيب
فهذه الأبيات كما نرى ليس فيها إلا تذكير لأبي سفيان بانتصار المسلمين في واقعة بدر وتسجيل لأسماء سراة المشركين الذين قتلوا فيها.
وفي شعر حسان الكثير والكثير جدا مما يسجل هذه الأحداث والمواقف ومما يؤرخ لحياة الرسول مما أشاع الاستشهاد بشعره في الكتب التي تناولت السيرة النبوية.
بين الجاهلية والإسلام
يؤكد النقاد أن شعر حسان بعد إسلامه لم يكن في قوته وجزالته في الجاهلية حيث افتقر شعره الإسلامي من وجهة نظر بعض النقاد وأساتذة الأدب العربي إلى الجزالة وقوة الصياغة التي كانت له في الجاهلية.
لكنه في مقابل ذلك كان يتمتع بقدر كبير من الحيوية والرقة والسلاسة، ويتوهج من حين إلى آخر بتدفق عاطفي يكشف عما في قلبه من دفء وحرارة ويثبت للذين ارجعوا ضعف شعره إلى شيخوخته أن قلب الشاعر لا يشيخ.
ويتفق النقاد على أن أساليب حسان بن ثابت بعد إسلامه قد سلمت من الحوشية والأخيلة البدوية، لكن خالطها لين الحضارة، ولم تخل في بعض الأغراض من جزالة اللفظ وفخامة المعنى والعبارة كما في الفخر والحماسة والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته ومعارضته المشركين وهجومهم.
يقول الدكتور محمد مصطفى سلام: لقد غلبت على أساليب حسان الشعرية الصبغة الإسلامية كتوليد المعاني من عقائد الدين الجديد وأحداثه والاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته ولطيف كناياته، وضرب أمثاله، واقتباس الألفاظ الإسلامية من الكتاب والسنة وشعائر الدين، كما غلبت عليها الرقة واللين والدماثة واللطف وسهولة المأخذ وواقعية الصورة وقرب الخيال، واكثر ما نرى ذلك في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية وذكر مآثرها وبيان ثواب المؤمنين وعقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أو رثاهم به.
نماذج من إبداعاته
لا يتسع المجال هنا لتقديم نماذج عديدة من شعر حسان، ولذلك فإننا نكتفي باختيار بضعة أمثلة قد لا تحدد بشكل حاسم القيمة الفنية لشعره الإسلامي، ولكنها على الأقل تومئ إلى مستوى الآفاق التي حلق فيها.
يقول عن الرسول مشيرا إلى مكانة قومه واعتزازه بتأييده عليه الصلاة والسلام والوقوف إلى جانبه في مواجهة المشركين:
نصرناه لما حل وسط رحالنا
بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا
وطبنا له نفسا بفيء المغانم
أما مدائح حسان في الرسول صلى الله عليه وسلم فتكشف عن عمق إيمانه به وعن مدى حبه وإجلاله له عليه الصلاة والسلام من ذلك قوله:
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
فإذا انتقلنا من المدح إلى الرثاء وجدنا حسان يرثي الرسول بمجموعة من القصائد التي تنم عن شعور صادق بالحزن والتي تنصهر فيها المعاني في بوتقة داكنة قاتمة، وتكاد الكلمات تتحول فيها إلى دموع، ومن ذلك قوله:
فابكي رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
فما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
--------------------------------------------------------------------------------
في تاريخ الشعر العربي عدد من الشعراء الفحول لا تنحسر عنهم دائرة الضوء، فأسماؤهم دائما بارزة في قوائم المبدعين ووجودهم ساطع متألق لا يخبو وميضه مع حركة الزمن، ولا تنقصف أعواده من مهب الريح والأعاصير.
ويبرز من بين هذا الوجود الشامخ، والحضور المتوهج حسان بن ثابت الأنصاري، لا باعتباره طاقة شعرية هائلة فحسب، بل باعتبار انه شاعر استطاع في مرحلة من مراحل حياته أن يوظف هذه الطاقة لتؤدي دورا هو
بلا شك أجل وأعظم دور قام به شاعر في تاريخ الشعر العربي كله.
وهل هناك ما هو أشرف وأعظم من الدفاع عن الإسلام، والوقوف إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام في مواجهة الشرك والوثنية، وتأييد الدعوة التي جاء بها رسول الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، والإشادة بما تنطوي عليه من قيم إنسانية عليا، والتغني بانتصارات المسلمين على طريق نشر الدعوة الإسلامية ورثاء شهدائهم الأبرار، وهل يمكن أن يعمل إنسان شاعرا كان أو غير شاعر لغاية أشرف من هذه الغاية؟
حسان بن ثابت من أهل المدينة ينحدر من بيت شريف من بيوت الخزرج، وينتمي إلى بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أبوه فهو ثابت بن المنذر الخزرجي من سادة قومه، ومن أشرفهم، وأما أمه فهي الفزيعة بنت خنيس بن لوزان بن عبدون وهي أيضا خزرجية.
وحسان بن ثابت أحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، ولد بالمدينة، ونشأ في الجاهلية، وعاش على الشعر، فكان يمدح المناذرة والغساسنة، وبالغ في مدح آل جفنة من ملوك غسان فأغدقوا عليه العطايا، وملأوا يديه بالنعم، ولم ينكروه بعد إسلامه فجاءته رسلهم بالهدايا من القسطنطينية، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم حسان مع الأنصار، وانقطع إلى مدحه والذود عنه، وأصبح الشاعر المنافح عن دين الإسلام، فاشتهر بذلك ذكره، وارتفع قدره، وعاش ما عاش موفور الكرامة مكفي الحاجة من بيت المال حتى توفي سنة 54 للهجرة بالغا من العمر مائة وعشرين سنة، وقد كف بصره في آخر أيامه.
صورتان فنيتان
يقول الأديب الدكتور محمد مصطفى سلام: لقد كان حسان يتغنى بالشعر، وربة الشعر تطاوعه في جاهليته وإسلامه حتى ملأ به القلوب والأسماع، وأجمعت العرب على انه اشعر أهل المدر، وشعره كشعر غيره من المخضرمين يجمع بين صورتين فنيتين صادقتين للشعر، إحداهما جاهلية، والأخرى إسلامية تعد مظهرا قويا لتأثر الأدب الإسلامي بالقرآن والحديث وأحداث الإسلام وعقائده.
لقد دعا حسان إلى التغني بالشعر، وأجود الشعر عنده ما جادت به القريحة مطابقا للواقع وسلامة المنطق، وشاعريته محلقة تستلهم السماء فتوحي إليه بالعذب المعجز، وهو أمير نفسه في شعره، فلم يلتزم مذاهب غيره من شعراء عصره كزهير والنابغة والأعشى والحطيئة وغيرهم، ولم يعمد إلى التكلف في شعره، ولم يحفل بتنقيحه بل كان يرسله كما أوصت به القريحة وحدثت به النفس ودعت إليه الحال وكثيرا ما اضطرته بعض المواقف الإسلامية إلى الارتجال، فلا غرابة أن تتنوع أساليبه ومعانيه وتتباين ألفاظه ومبانيه، وأن تجتمع في قصائده الفخامة واللين والغريب والمألوف.
حول موهبة حسان وشاعريته يقول الشاعر الإسلامي صلاح الدين السباعي: لقد عاش حسان في الجاهلية شاعرا قبليا يصوغ شعره في روية وأناة ويراجعه ويجوده قبل أن يخرج به على الناس، مما وفر لقصائده مستوى فنيا عاليا، وعندما دخل حسان الإسلام اكتشف أن دوره في تأييده ومؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه في مواجهة المشركين، يفرض عليه جانبا تسجيليا وتاريخيا للمواقف والأحداث التي شهدتها الدعوة الإسلامية، ولم يكن حسان يمتلك أداة للتسجيل والتأريخ افضل من الأداة التي تمرس على استخدامها طويلا قبل الإسلام، وهي هذه الأوزان العروضية التي كان في الجاهلية يعبر من خلالها عن أفكاره ومشاعره.
وهكذا اتخذ حسان من هذه الأوزان وسيلة لتسجيل تلك المواقف والأحداث شأن أي مؤرخ حريص على تدوين حقائق التاريخ، ومن هنا جاء إنتاجه بالنسبة لهذا الجانب التسجيلي خاليا تماما من نبض الشعر ودقته وحرارته، بمعنى انه عندما كانت الأحداث تتوالى فإن كل اهتمامه كان ينصرف إلى الحرص على تسجيلها فقط، وبالتالي فإنه يتحول من حين إلى آخر إلى ناظم وفقا لحركة الأحداث. وعندئذ تغطي عنده الحقيقة التاريخية على الحقيقة الشعرية وبحيث تتوارى، وذلك على نحو ما نرى في رده على أبي سفيان بن حرب وفخره على حسان بمقتل عدد من المسلمين من بينهم حمزة عم الرسول في واقعة أحد:
ذكرت القروم الصيد من آل هاشم
ولست لزور قلته بمصيب
أتعجب أن أقصدت حمزة منهم
نجيبا وقد سميته بنجيب
ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه
وشيبة والحجاج وابن حبيب
غداة دعا العاص عليا فراعه
بضربه عضب بله بخضيب
فهذه الأبيات كما نرى ليس فيها إلا تذكير لأبي سفيان بانتصار المسلمين في واقعة بدر وتسجيل لأسماء سراة المشركين الذين قتلوا فيها.
وفي شعر حسان الكثير والكثير جدا مما يسجل هذه الأحداث والمواقف ومما يؤرخ لحياة الرسول مما أشاع الاستشهاد بشعره في الكتب التي تناولت السيرة النبوية.
بين الجاهلية والإسلام
يؤكد النقاد أن شعر حسان بعد إسلامه لم يكن في قوته وجزالته في الجاهلية حيث افتقر شعره الإسلامي من وجهة نظر بعض النقاد وأساتذة الأدب العربي إلى الجزالة وقوة الصياغة التي كانت له في الجاهلية.
لكنه في مقابل ذلك كان يتمتع بقدر كبير من الحيوية والرقة والسلاسة، ويتوهج من حين إلى آخر بتدفق عاطفي يكشف عما في قلبه من دفء وحرارة ويثبت للذين ارجعوا ضعف شعره إلى شيخوخته أن قلب الشاعر لا يشيخ.
ويتفق النقاد على أن أساليب حسان بن ثابت بعد إسلامه قد سلمت من الحوشية والأخيلة البدوية، لكن خالطها لين الحضارة، ولم تخل في بعض الأغراض من جزالة اللفظ وفخامة المعنى والعبارة كما في الفخر والحماسة والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته ومعارضته المشركين وهجومهم.
يقول الدكتور محمد مصطفى سلام: لقد غلبت على أساليب حسان الشعرية الصبغة الإسلامية كتوليد المعاني من عقائد الدين الجديد وأحداثه والاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته ولطيف كناياته، وضرب أمثاله، واقتباس الألفاظ الإسلامية من الكتاب والسنة وشعائر الدين، كما غلبت عليها الرقة واللين والدماثة واللطف وسهولة المأخذ وواقعية الصورة وقرب الخيال، واكثر ما نرى ذلك في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية وذكر مآثرها وبيان ثواب المؤمنين وعقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أو رثاهم به.
نماذج من إبداعاته
لا يتسع المجال هنا لتقديم نماذج عديدة من شعر حسان، ولذلك فإننا نكتفي باختيار بضعة أمثلة قد لا تحدد بشكل حاسم القيمة الفنية لشعره الإسلامي، ولكنها على الأقل تومئ إلى مستوى الآفاق التي حلق فيها.
يقول عن الرسول مشيرا إلى مكانة قومه واعتزازه بتأييده عليه الصلاة والسلام والوقوف إلى جانبه في مواجهة المشركين:
نصرناه لما حل وسط رحالنا
بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا
وطبنا له نفسا بفيء المغانم
أما مدائح حسان في الرسول صلى الله عليه وسلم فتكشف عن عمق إيمانه به وعن مدى حبه وإجلاله له عليه الصلاة والسلام من ذلك قوله:
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
فإذا انتقلنا من المدح إلى الرثاء وجدنا حسان يرثي الرسول بمجموعة من القصائد التي تنم عن شعور صادق بالحزن والتي تنصهر فيها المعاني في بوتقة داكنة قاتمة، وتكاد الكلمات تتحول فيها إلى دموع، ومن ذلك قوله:
فابكي رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
فما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)